الأربعاء، نوفمبر 11، 2015

مصالحة الذات و قبول الآخر - مقالي في صحيفة مشتركات

صدر العدد الرابع من صحيفة مشتركات التي يصدرها المجلس الأعلى للدعوة الإسلامية - السودان و منذ العدد الأول ساهمت بمقال في مجال التنمية البشرية فيها .....
 

سعيدة باللقاء الرابع مع قراء مشتركات و إن كان كل ما أكتب يدور في مجال التنمية البشرية فلقائي بهم هذه المرة عن مهارة أعتبرها في مقدمة المهارات المؤثرة في كل مناحي الحياة  ..........................................
 من حكم الخلق التي تتجلى فيها قدرة الخالق البارئ ، أن كل شخص من مليارات البشر على مر العصور إنما هو بصمة لا تكرر ،  فالاختلاف بين البشر ليس إختلافا في الشكل الخارجي إنما هو إختلاف في  أسلوب التفكير و الشعور و السلوك و يبدو ذلك في تفاعلنا مع البيئة حولنا ...و هذا الإختلاف هو الذي يجعل التكامل بين البشر من ضرورات استمرار الحياة  و التكامل يستدعي أن نتقبل الآخر بكل الاختلافات التي بيننا سواء أكانت في الشكل أو الجنس أو اللون أو المعتقدات أو القدرات .....وأنزل الله آية تعتبر من الموجهات الأصولية للفكر الإسلامي (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) وهي الآية 13 من سورة الحجرات    و هي من السور التي تنظم العلاقات بين الناس و تعلمنا الرقي في التواصل مع الآخر.
فالله خلقنا مختلفين لنتكامل و دعانا لنتقبل بعضنا ...و لا نقف عند التقبل بل أن نكون نافعين للناس نجلب لهم الخير و نكف عنهم شرنا و شر غيرنا ... فقد ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على أناس جلوس فقال ( ألا أخبركم بخيركم من شركم ) قال : فسكتوا ، فقال ذلك ثلاث مرات ، فقال رجل : بلى يا رسول الله أخبرنا بخيرنا من شرنا ، قال ( خيركم من يرجى خيره ويؤمن شره وشركم من لا يرجى خيره ولا يؤمن شره )رواه الترمذي و صححه الألباني ولكي اتقبل الآخرين هناك خطوتين لذلك :
أولا : تقبل ذاتك  كما هي بكل مفرداتها  شكلك ، لونك ، جنسك و أصلك وكل ما وهبك إياها الله سبحانه و تعالى لأن تقبل الذات هو  التصالح مع الذات الذي يمنحك الثقة بالنفس و الطمأنينة  و يتجاوز رضاك عن و اقعك إلي إعتزازك بذاتك و تقديرك العالي لها كما هي ، فتقدير الذات لا يمنحنا الثقة بالنفس فحسب بل ينعكس بالسمو بتلك الذات عن كل ما ينقص قدرها عند الآخرين من سوء الخلق و ارتكاب المعاصي و من الأقوال المتداولة لكل من يفعل مايشين أن نقول له (هانت عليك نفسك!!) فمن يتقبل ذاته و يتقبلها يمكن الإنتقال بخطوات ثابتة و راسخة نحو الخطة التالية .
ثانياً : تقبل الآخر     الآخر ينطبق على كل الشخصيات التي تنتظم في الدوائر التي تحيط بك من الناس إبتداءً من أسرتك و عائلتك الممتدة و أصدقائك و زملائك حتى أوسع تلك الدوائر من البشر (شركاء الأرض) من بني آدم .
و لما كان الكثيرون يينظرون إلي أنفسهم كنموذج في كل شئ ، في سلوكهم ، في تفكيرهم و كل ما يخصهم و كذلك بلدهم هو النموذج و جنسهم وأن غيرهم هو الأقل و هذا ما يسمى التعصب  وهو من المعتقدات السلبية  و يعيق قبولهم للآخر ولكن من لا يقبل الآخر يجب أن يتذكر أنه هو كذلك آخر بالنسبة لغيره وإنه حتى إذا أراد تغيير الآخر فلا بد أولاُ من تقبله .
  ولكن ماذا نقصد بقبول الآخر نعني به احترامنا له كإنسان و لخياراته و لحقه في النهج الذي يريد انتهاجه . لأن الإكراه في التغيير غير ممكن و قد قرر الله هذا الأمر في العقيدة نفسها التي تبنى عليها الحياة فهي اختيارية ( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم ( البقرة الآية  256 . وقد قامت دولة المدينة على قبول الآخر و التعامل معه و قد توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم و درعه مرهونة عند يهودي .
و قبول الآخر له مردودات إيجابية عظيمة على المجتمع أهمها :
o     التماسك الأسري
o     التوافق الإجتماعي و تماسك النسيج المجتمعي
o     التعايش السلمي
o     إفساح المجال للحوار و التأثير
o     تبادل المصالح
و قبول الآخر كما سبق ذكره يعني احترامنا لخياراته و لا يعني اقتناعنا بتلك الخيارات و لا تأثرنا بها و لا قبولنا لها ولكن يعني لك خياراتك و لي خياراتي و كلنا يحترم الآخر و يتواصل مع الآخر .
ومفهوم أن تقبل الآخر يعني الذوبان فيه و قبول افكاره جعل الكثير من أهل الديانات بصورة خاصة يرفضون هذا المصطلح أو ينظرون إليه نظرة الشك و الريبة وإنه يحمل في طياته تقبل الغزو الفكري لهم .
وما  نخلص إليه أن قبول الآخر هو قناعة الفرد بأن لكل إنسان قناعاته التي تختلف عن الآخرين و تعايش الناس في البيت أو البلد أو حتى العالم يقتضي أن نتقبل بعضنا البعض في تعامل راقي يتيح التواصل و الحوار و يمكننا من التأثير الإيجابي إبتداءً من ذواتنا التي لا نستطيع تغييرها ايجابياه إلا إذأ تقبلناها و اختلينا بها و حللناها ، و ينتقل الأمر إلى أقرب الناس إلينا و مانعانيه من تفكك اسري و ارتفاع نسبة الطلاق من نتائج رفض الآخر و صراع الأفكار بدلا عن الحوار . و مانعيشه من نزاعات و تعدي و ظلم و قهر و فرض للرأي و استضعاف نتجتثه بنشر ثقافة قبول الآخر .

 

 
 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق